التخطي إلى المحتوى الرئيسي

صدام قالها قبلاً وانتهى… فهل يواجه خامنئي المصير ذاته؟

 


كتب : فرشوطي محمد

لحظة وعي في بيت عراقي

كنا نجلس على الأرض في أحد بيوت بغداد، في منتصف الثمانينيات، نتابع على شاشة التلفاز خطابًا ناريًا للرئيس العراقي صدام حسين. بنبرة المنتصر، يومها أعلن صدام أن العراق بات يمتلك أسلحة قادرة على تدمير إسرائيل.

لحظتها التفتُّ إلى صديقي العراقي وقلت له بهدوء:

"لقد انتهى صدام."

نظر إليّ بدهشة، فتابعت:

"إسرائيل لا تنسى ولا تغفر لمن يهددها وجوديًا  . سيجعلونه يدفع الثمن، إن لم يكن اليوم فغدًا. هم لا يواجهون مباشرة… إنهم يزرعون ويخططون لسنوات."

كانت تلك اللحظة أشبه ببذرة وعي نمت داخلي مع مرور السنين، وأدركت لاحقًا أن كل من هدد إسرائيل علنًا، وجد نفسه داخل دائرة التصفيات، سياسيًا أو عسكريًا. صدام، القذافي، وحتى الأسد، لم تكن المسألة في خطاباتهم، بل في رمزيتهم كتهديد "غير قابل للتطويع".

إيران بعد “طوفان الأقصى”: تصعيد بلا سقف

الهجوم الأخير على العمق الإيراني – والذي تميز بدقة استخباراتية وتنسيق صامت مع واشنطن – ليس مجرد رد على دعم طهران لحركات المقاومة الفلسطينية، بل يأتي في سياق استراتيجية أوسع، بدأت قبل سنوات، وبلغت ذروتها بعد عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023.

العدوان الإسرائيلي المكثف على غزة، وما تبعه من أزمة أخلاقية ودبلوماسية غير مسبوقة لتل أبيب، دفعها إلى البحث عن مخرج يعيد خلط الأوراق ويبدل مسارات الصراع.

إيران، بصفتها الداعم الأكبر للمقاومة في المنطقة، تحوّلت تلقائيًا إلى هدف أول. لكن الاستهداف لم يقتصر على منشآت نووية أو قواعد صاروخية؛ بل تعداه إلى قيادات الحرس الثوري، ومواقع حساسة، وحتى بنى تحتية تُعد جزءًا من رمزية النظام. هذه الهجمات تحمل رسالة مزدوجة: الردع والتقويض.

البُعد العقائدي: ما بعد العتبة الرمزية

في منطق المواجهة التقليدية، كانت إسرائيل تتفادى استهداف رموز النظام الإيراني بشكل مباشر، معتبرة ذلك تصعيدًا مفرطًا. اليوم، تغيرت الحسابات. تسلسل الضربات، وتزامنها مع تحركات إعلامية وميدانية، يوحي بأن طهران لم تعد محصّنة، لا سياسيًا ولا شخصيًا. ورغم النفي الرسمي من تل أبيب لنية اغتيال المرشد الأعلى علي خامنئي، فإن تحليل العمليات يشير إلى أن رأس النظام لم يعد خارج إطار الاستهداف المحتمل.

ان إسرائيل – وبدعم ضمني أو صريح من قوى غربية – لم تعد تفرّق بين البنية العسكرية الصلبة، وبين تلك الرمزية التي تمنح النظام الإيراني شرعيته وامتداده العقائدي.

إذا كان اغتيال خامنئي أو تفكيك منظومة ولاية الفقيه لا يُناقش علنًا، فإنه مطروح ضمن السيناريوهات المتقدمة على طاولة القرار في تل أبيب وواشنطن.

نهاية الحصانة: إعادة تشكيل الشرق الأوسط؟

ما تشهده المنطقة اليوم ليس مجرد فصول من حرب استخباراتية أو تصعيد عابر. نحن أمام مشروع استراتيجي لإعادة صياغة ميزان القوى في الشرق الأوسط.

وكما سُحقت بنى الدولة في العراق وليبيا واليمن والسودان وغيرها، يبدو أن إيران تتجه إلى مسار مشابه، وإن كان أكثر تعقيدًا نظرًا لطبيعة نظامها وتوازناتها الإقليمية.

هذا التغيير لا يأتي من فراغ، بل هو نتيجة تراكمات: دعم طهران لحلفاء مسلحين، خصومتها العميقة مع إسرائيل، وقوة خطابها المعادي للنفوذ الأمريكي. لكن الأهم، أن القوى الكبرى لا تغفر لمن يهدد أمن إسرائيل وجوديًا، حتى لو كان ذلك مجرد تصريح عابر على منصة إعلامية.

ومنذ أن وعد صدام حسين بـ"تدمير إسرائيل"، بدأت ساعة نهايته. واليوم، مع تصاعد الاستهداف لإيران، يبدو أن النظام الإيراني يقترب من اللحظة نفسها.

ليست المسألة نووية فقط، بل أيديولوجية، سياسية، وحتى رمزية. ومع أن مصير النظام في طهران لم يُحسم بعد، فإن مسار الأحداث يوحي بأننا أمام مرحلة جديدة: مرحلة نهاية الحصانات التاريخية، وتفكك المعادلات التي صمدت لعقود.

الشرق الأوسط يُعاد تشكيله، لا عبر الطاولات المستديرة، بل عبر الصواريخ، والاغتيالات، والتحالفات الرمادية.

نشر في:
صحيفة الجمهورية والعالم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تاريخ القبيلة وتحكم الفرد: قراءة في جذور ثقافة اللوم

  فرشوطي محمد تُعتبر ثقافة اللوم ظاهرة متأصلة في العديد من المجتمعات الشرقية، ولها جذور تاريخية تعود إلى الأيام البدوية عندما كانت القبيلة هي الوحدة الاجتماعية الأساسية. في تلك الحقبة، كان زعيم القبيلة هو الشخص الوحيد الذي يمتلك السلطة المطلقة، والذي يقرر ما هو صواب وما هو خطأ. كان له الحق في لوم أي فرد من أفراد القبيلة في أي وقت يشاء، وبأي سبب يراه مناسبًا. هذا النهج التسلطي الذي اتسم به زعيم القبيلة، انعكس على البنية الأسرية والثقافية للمجتمع ككل. في هذا السياق، كانت الأسرة تستمد ثقافتها وسلوكها من هذه السلطة المطلقة للزعيم. فكما كان الزعيم يلوم أفراد القبيلة، كذلك كانت الأسر تلوم أبناءها. كان الأب أو الأم، بناءً على التسلسل الهرمي الذي يعكس النظام القبلي، يقررون ما هو الأفضل لأبنائهم. وغالبًا ما كان اللوم يستخدم كأداة للسيطرة والتوجيه، حيث كان يُفترض أن الكبار يرون أفضل ويفهمون أكثر من الشباب. اللوم كأداة للسيطرة في البيئة البدوية التقليدية، كانت الحياة قاسية وصعبة، مما استلزم وجود نظام صارم للحفاظ على النظام والاستقرار داخل القبيلة. وبالتالي، كان للوم دور كبير في توجيه السلوك و...

صحراء الفكر: رحلة البحث عن الحقيقة

  كنت تائهًا في الصحراء، أسير بلا اتجاه، كأن الرمال تمتد بلا نهاية، والأفق يبتلع قدميّ مع كل خطوة.  الليل قد حل، والقمر يضيء السماء بنوره الفضي، يلقي ظلاله على كثبان الرمال كأنه يراقبني بصمت. شعرت بالإرهاق، فبحثت عن مأوى حتى وجدت شجرة وحيدة تقف كحارس قديم وسط العدم. جلست تحتها محاولًا استعادة أنفاسي، وفجأة، رأيتها. امرأة تجلس هناك، وكأنها جزء من المشهد، عيناها تعكس ضوء القمر، وملامحها هادئة كأنها لم تتوه قط.  شعرت أنني لم أصل إلى الشجرة صدفة… كان لا بد أن ألتقي بها، وكان لا بد أن يدور هذا الحوار   الرجل : هل أنتِ حقيقية أم أنني أهذي من العطش؟ المرأة : أنا حقيقية بقدر ما تريدني أن أكون. لكن السؤال الأهم… هل تعرف من أنت؟ الرجل : كنت أعتقد أنني أعرف، لكن الصحراء تسلب منك كل يقين… تجعل كل شيء يبدو بلا معنى . المرأة : ربما لأن المعاني التي كنت تحملها لم تكن حقيقية منذ البداية، بل مجرد أوهام صُنعت لك، فصدّقتها دون أن تسأل . الرجل : ولهذا أريد أن أمسح كل شيء… أن أبدأ من جديد. كل ما نعرفه—اللغة، القوانين، الأديان، حتى طريقة تفكيرنا—كلها صُنع بشري، لكنها تُفرض عل...

معدلة بالفوتوشوب .. بين السخرية والحكمة: يوسف زيدان يرد على علاء مبارك بشأن زجاجة البيرة: ‘اسأل والدتك

  فرشوطي محمد علق الدكتور يوسف زيدان الكاتب الروائي، على سخرية علاء مبارك نجل الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، بشأن زجاجة البيرة التي ظهرت في إحدى الصور خلال اجتماعات مؤتمر تكوين، في المتحف الكبير منذ أيام. وقال يوسف زيدان، في بث مباشر له على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: بعتوا لي قالوا حتى علاء مبارك زعلان بيقول قولوا لنا يا عفاريت قزازة البيرة دي بتاع مين؟ نقول لك يا سيدي مش بتاعة حد، وأضيف لك أنا يعني: اسأل السيدة والدتك ما هيا كانت حرم رئيس الجمهورية وعلي الملأ. وتابع زيدان: أنا فاكر في معرض فرانكفورت كانوا اختاروا الثقافة العربية ضيف شرف لمعرض فرانكفوت للكتاب وخصصوا 1000 متر للثقافة العربية والـ ١٠٠٠ متر في فرانكفورت يعني قصة مأهوله، وكلموا جامعة الدول العربية وكان المسؤول أيامها الأستاذ عمرو موسى وكلمني وقتها ووقعت المسألة دي على عاتقي. واضاف: عملت على مساحة ألف متر عرضا للثقافة العربية مظنش أنه ليه مثيل، وقبل افتتاح المعرض بيوم جاءت السيدة سوزان مبارك ومعها عمرو موسى وفاروق حسني  وإبراهيم المعلم، وكنت قاعد أشتغل بأيدي مع الشباب ولابس بنطلون جينز ومتبهدل فإبراهيم ...