التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تاريخ القبيلة وتحكم الفرد: قراءة في جذور ثقافة اللوم

 

فرشوطي محمد

تُعتبر ثقافة اللوم ظاهرة متأصلة في العديد من المجتمعات الشرقية، ولها جذور تاريخية تعود إلى الأيام البدوية عندما كانت القبيلة هي الوحدة الاجتماعية الأساسية. في تلك الحقبة، كان زعيم القبيلة هو الشخص الوحيد الذي يمتلك السلطة المطلقة، والذي يقرر ما هو صواب وما هو خطأ. كان له الحق في لوم أي فرد من أفراد القبيلة في أي وقت يشاء، وبأي سبب يراه مناسبًا. هذا النهج التسلطي الذي اتسم به زعيم القبيلة، انعكس على البنية الأسرية والثقافية للمجتمع ككل.

في هذا السياق، كانت الأسرة تستمد ثقافتها وسلوكها من هذه السلطة المطلقة للزعيم. فكما كان الزعيم يلوم أفراد القبيلة، كذلك كانت الأسر تلوم أبناءها. كان الأب أو الأم، بناءً على التسلسل الهرمي الذي يعكس النظام القبلي، يقررون ما هو الأفضل لأبنائهم. وغالبًا ما كان اللوم يستخدم كأداة للسيطرة والتوجيه، حيث كان يُفترض أن الكبار يرون أفضل ويفهمون أكثر من الشباب.

اللوم كأداة للسيطرة

في البيئة البدوية التقليدية، كانت الحياة قاسية وصعبة، مما استلزم وجود نظام صارم للحفاظ على النظام والاستقرار داخل القبيلة. وبالتالي، كان للوم دور كبير في توجيه السلوك وضبطه. كان يُعتبر جزءًا من عملية التربية والتنشئة الاجتماعية، حيث يُستخدم لتعليم القيم والمعايير الاجتماعية. كان يُنظر إلى اللوم كوسيلة لضمان الطاعة والامتثال للأعراف والتقاليد.

انتقال ثقافة اللوم إلى الحياة المعاصرة

مع مرور الزمن، انتقلت هذه الثقافة إلى الحياة المعاصرة، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من العديد من المجتمعات الشرقية. رغم التغيرات الهائلة التي شهدتها هذه المجتمعات في مجالات التعليم والتكنولوجيا والاقتصاد، إلا أن ثقافة اللوم ما زالت تحتفظ بمكانتها. ما زالت الأسر تربي أبناءها على نفس الأسس التي كانت تُستخدم في المجتمعات القبلية، حيث يُعتبر الكبار دائمًا على حق، والأبناء بحاجة إلى التوجيه المستمر.

تأثيرات ثقافة اللوم على الفرد والمجتمع

تؤثر ثقافة اللوم بشكل كبير على تنمية شخصية الأفراد وتطوير قدراتهم. فهي تزرع في النفوس الخوف من الفشل وتحول دون المبادرة والإبداع. عندما يكون الفرد محاطًا باللوم المستمر، يفقد الثقة بالنفس ويصبح عاجزًا عن اتخاذ القرارات بشكل مستقل. يؤدي هذا إلى خلق مجتمع يعتمد على السلطة الأبوية ويعاني من نقص في روح المبادرة والابتكار.

نحو مجتمع خالٍ من ثقافة اللوم

للتحرر من ثقافة اللوم، ينبغي على المجتمعات العمل على تعزيز قيم الثقة والتفاهم المتبادل. يجب أن يكون هناك تحول نحو نظام تربوي يعتمد على الحوار والمشاركة، حيث يُشجع الأبناء على التعبير عن آرائهم وتجربة أشياء جديدة دون خوف من اللوم أو العقاب. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على المؤسسات التعليمية والمجتمعية أن تلعب دورًا أكبر في تعزيز هذه القيم.

في الختام، يمكن القول إن ثقافة اللوم هي إرث بدوي قديم، له تأثيرات عميقة على المجتمعات الشرقية. للتحرر من هذا الإرث، يجب علينا تبني قيم جديدة تعزز الثقة بالنفس والتعاون والابتكار، مما يساعد على بناء مجتمعات أكثر تقدمًا وازدهارًا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معدلة بالفوتوشوب .. بين السخرية والحكمة: يوسف زيدان يرد على علاء مبارك بشأن زجاجة البيرة: ‘اسأل والدتك

  فرشوطي محمد علق الدكتور يوسف زيدان الكاتب الروائي، على سخرية علاء مبارك نجل الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، بشأن زجاجة البيرة التي ظهرت في إحدى الصور خلال اجتماعات مؤتمر تكوين، في المتحف الكبير منذ أيام. وقال يوسف زيدان، في بث مباشر له على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: بعتوا لي قالوا حتى علاء مبارك زعلان بيقول قولوا لنا يا عفاريت قزازة البيرة دي بتاع مين؟ نقول لك يا سيدي مش بتاعة حد، وأضيف لك أنا يعني: اسأل السيدة والدتك ما هيا كانت حرم رئيس الجمهورية وعلي الملأ. وتابع زيدان: أنا فاكر في معرض فرانكفورت كانوا اختاروا الثقافة العربية ضيف شرف لمعرض فرانكفوت للكتاب وخصصوا 1000 متر للثقافة العربية والـ ١٠٠٠ متر في فرانكفورت يعني قصة مأهوله، وكلموا جامعة الدول العربية وكان المسؤول أيامها الأستاذ عمرو موسى وكلمني وقتها ووقعت المسألة دي على عاتقي. واضاف: عملت على مساحة ألف متر عرضا للثقافة العربية مظنش أنه ليه مثيل، وقبل افتتاح المعرض بيوم جاءت السيدة سوزان مبارك ومعها عمرو موسى وفاروق حسني  وإبراهيم المعلم، وكنت قاعد أشتغل بأيدي مع الشباب ولابس بنطلون جينز ومتبهدل فإبراهيم ...

"استغلال الدين لتضليل العقول: قصة الخماهو وجماعته النصابة"

(الخماهو) الاقرع الشجاع   منذ فترة طويلة، ظهر شخص يُلقب بـ"الخماهو"، قاد مجموعة من النصابين والمحتالين والذين يستغلون الدين لأغراضهم الشخصية. قاموا بابتكار قصص ودراسات وهمية، وتزوير الحقائق بهدف تضليل الناس وخداعهم. استغلوا فقر وجهل الناس، واستخدموا الدين كوسيلة للسيطرة على عقولهم .   ترتكز استراتيجيتهم على استغلال العقائد والتقاليد الدينية التي يعتقد الناس بها منذ القدم. قاموا بصناعة قصص وأحداث قديمة، وقد أسسوا لأنفسهم منبرًا لنشر هذه القصص الوهمية والأساطير المفبركة. ومن خلال تخديم جشعهم وجوعهم للسيطرة والثراء، نجحوا في تضليل الشعوب وتشويش عقولهم بواسطة هذه الخرافات والأكاذيب .   قام هؤلاء الأشخاص ببناء معابد ومذابح، ودفعوا الناس لتقديم القرابين والتضحيات بهدف شراء الغفران والبركة. استغلوا الخوف من الموت وما بعد الموت لجعل الناس يتمسكون بتلك العقائد المزيفة، وهكذا أصبحوا ينمون في السلطة والتأثير .   الشخص الذي يُعرف باسم "الخماهو" كان القائد الرئيسي لهذه الجماعة، وكان يستغل مواقف الناس ومشاكلهم ليزيد من نفوذه. بغض النظر عن مشكلات...