التخطي إلى المحتوى الرئيسي

صحراء الفكر: رحلة البحث عن الحقيقة

 


كنت تائهًا في الصحراء، أسير بلا اتجاه، كأن الرمال تمتد بلا نهاية، والأفق يبتلع قدميّ مع كل خطوة. 

الليل قد حل، والقمر يضيء السماء بنوره الفضي، يلقي ظلاله على كثبان الرمال كأنه يراقبني بصمت. شعرت بالإرهاق، فبحثت عن مأوى حتى وجدت شجرة وحيدة تقف كحارس قديم وسط العدم. جلست تحتها محاولًا استعادة أنفاسي، وفجأة، رأيتها. امرأة تجلس هناك، وكأنها جزء من المشهد، عيناها تعكس ضوء القمر، وملامحها هادئة كأنها لم تتوه قط. 

شعرت أنني لم أصل إلى الشجرة صدفة… كان لا بد أن ألتقي بها، وكان لا بد أن يدور هذا الحوار 


الرجل: هل أنتِ حقيقية أم أنني أهذي من العطش؟

المرأة: أنا حقيقية بقدر ما تريدني أن أكون. لكن السؤال الأهم… هل تعرف من أنت؟

الرجل: كنت أعتقد أنني أعرف، لكن الصحراء تسلب منك كل يقين… تجعل كل شيء يبدو بلا معنى.

المرأة: ربما لأن المعاني التي كنت تحملها لم تكن حقيقية منذ البداية، بل مجرد أوهام صُنعت لك، فصدّقتها دون أن تسأل.

الرجل: ولهذا أريد أن أمسح كل شيء… أن أبدأ من جديد. كل ما نعرفه—اللغة، القوانين، الأديان، حتى طريقة تفكيرنا—كلها صُنع بشري، لكنها تُفرض علينا كما لو كانت مطلقة. لماذا لا يمكنني أن أخلق فكري الخاص؟

المرأة: تريد أن تبدأ من الصفر… أن تخلق عالمك الخاص، لكن هل تستطيع حقًا أن تفصل نفسك عن كل ما زرع فيك منذ ولادتك؟ حتى لغتك الآن، أفكارك، كلها تنتمي إلى ما تحاول الفرار منه.

الرجل: إذن الحل ليس في الهروب، بل في إعادة التشكيل. سأبدأ بلغتي الخاصة، لغة واحدة يفهمها الجميع، بلا حواجز، بلا سوء فهم.

المرأة: اللغة ليست مجرد كلمات، بل امتداد لتجارب البشر ومشاعرهم. كيف يمكن للإنسان أن يوحد لغته وهو لم يوحد مشاعره بعد؟

الرجل: وهذا يقودني إلى الفكرة التالية… لماذا لا يكون هناك دين واحد، ليس قائمًا على الآلهة التي صنعها البشر ثم عبدوها، بل على قيم جوهرية لا يختلف عليها أحد؟

المرأة: لكن البشر لم يختلفوا بسبب الأديان فقط، بل بسبب عقولهم التي تفسر الأشياء بطرق مختلفة. حتى لو منحتهم دينًا واحدًا، سيجدون فيه ما يفرقهم.

 

الرجل: هل فكرتِ يومًا أن كل ما نؤمن به، كل ما نعرفه، ليس إلا صناعة بشرية؟ القوانين، اللغة، الأديان، حتى مفهوم الخير والشر… كلها وُجدت لأن أحدًا قرر أنها يجب أن توجد.

المرأة: بالطبع، نحن نولد داخل أنظمة لم نخترعها، لكن هل تعني أننا يجب أن نرفضها تمامًا؟ بعض القواعد تجعل الحياة أكثر تنظيمًا، وبعض المعتقدات تمنحنا المعنى.

الرجل: لكن من قال إن هذا المعنى هو الوحيد الممكن؟ ماذا لو أردت أن أمسح هذا "الشريط"، أن أبدأ من جديد، وأكتب كل شيء بنفسي؟

المرأة: وكأنك تحلم بالتحرر المطلق؟ أن تلغي كل شيء وتخلق بديلاً؟ ولكن، هل تستطيع حقًا أن تفكر خارج ما زُرع فيك منذ ولادتك؟

الرجل: لما لا؟ أريد لغة يفهمها الجميع، بلا سوء فهم أو حواجز ثقافية. أريد دينًا واحدًا، ليس قائمًا على الآلهة التي صنعها البشر ثم عبدوها، بل على قيم جوهرية لا يختلف عليها أحد.

المرأة: فكرة جميلة، لكن البشر لم يختلفوا فقط بسبب اللغات والأديان، بل بسبب عقولهم التي تفسر الأشياء بطرق مختلفة. حتى لو صنعتَ لغتك ودينك، سيظل هناك من يراها ناقصة أو معيبة.

الرجل: إذن، المشكلة ليست في الأنظمة بل في العقل ذاته. ربما يجب تغيير طريقة التفكير نفسها، كأن نعيد برمجة وعينا لنرى العالم كما يجب أن يكون، لا كما ورثناه.

المرأة: لكن "كما يجب أن يكون" مفهوم نسبي… من سيحدد ذلك؟ أنت؟ أم فرد آخر؟ أم ذكاء اصطناعي محايد؟

الرجل: ربما ليس فردًا واحدًا، بل وعيًا جماعيًا جديدًا، يصنعه من يرفضون القوالب الجاهزة. لا وصاية، لا مسلمات… فقط بحث مستمر عن الحقيقة.

المرأة: لكن الحقيقة نفسها قد تكون مجرد وهم آخر صنعه الإنسان… ربما الحل ليس في الهدم الكامل، بل في البناء على ما هو موجود، لكن بطريقة أكثر وعيًا وحرية.

الرجل: ربما… أو ربما علينا أن نجرّب الهدم أولًا، لنرى ماذا يمكن أن يولد من جديد.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تاريخ القبيلة وتحكم الفرد: قراءة في جذور ثقافة اللوم

  فرشوطي محمد تُعتبر ثقافة اللوم ظاهرة متأصلة في العديد من المجتمعات الشرقية، ولها جذور تاريخية تعود إلى الأيام البدوية عندما كانت القبيلة هي الوحدة الاجتماعية الأساسية. في تلك الحقبة، كان زعيم القبيلة هو الشخص الوحيد الذي يمتلك السلطة المطلقة، والذي يقرر ما هو صواب وما هو خطأ. كان له الحق في لوم أي فرد من أفراد القبيلة في أي وقت يشاء، وبأي سبب يراه مناسبًا. هذا النهج التسلطي الذي اتسم به زعيم القبيلة، انعكس على البنية الأسرية والثقافية للمجتمع ككل. في هذا السياق، كانت الأسرة تستمد ثقافتها وسلوكها من هذه السلطة المطلقة للزعيم. فكما كان الزعيم يلوم أفراد القبيلة، كذلك كانت الأسر تلوم أبناءها. كان الأب أو الأم، بناءً على التسلسل الهرمي الذي يعكس النظام القبلي، يقررون ما هو الأفضل لأبنائهم. وغالبًا ما كان اللوم يستخدم كأداة للسيطرة والتوجيه، حيث كان يُفترض أن الكبار يرون أفضل ويفهمون أكثر من الشباب. اللوم كأداة للسيطرة في البيئة البدوية التقليدية، كانت الحياة قاسية وصعبة، مما استلزم وجود نظام صارم للحفاظ على النظام والاستقرار داخل القبيلة. وبالتالي، كان للوم دور كبير في توجيه السلوك و...

معدلة بالفوتوشوب .. بين السخرية والحكمة: يوسف زيدان يرد على علاء مبارك بشأن زجاجة البيرة: ‘اسأل والدتك

  فرشوطي محمد علق الدكتور يوسف زيدان الكاتب الروائي، على سخرية علاء مبارك نجل الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، بشأن زجاجة البيرة التي ظهرت في إحدى الصور خلال اجتماعات مؤتمر تكوين، في المتحف الكبير منذ أيام. وقال يوسف زيدان، في بث مباشر له على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: بعتوا لي قالوا حتى علاء مبارك زعلان بيقول قولوا لنا يا عفاريت قزازة البيرة دي بتاع مين؟ نقول لك يا سيدي مش بتاعة حد، وأضيف لك أنا يعني: اسأل السيدة والدتك ما هيا كانت حرم رئيس الجمهورية وعلي الملأ. وتابع زيدان: أنا فاكر في معرض فرانكفورت كانوا اختاروا الثقافة العربية ضيف شرف لمعرض فرانكفوت للكتاب وخصصوا 1000 متر للثقافة العربية والـ ١٠٠٠ متر في فرانكفورت يعني قصة مأهوله، وكلموا جامعة الدول العربية وكان المسؤول أيامها الأستاذ عمرو موسى وكلمني وقتها ووقعت المسألة دي على عاتقي. واضاف: عملت على مساحة ألف متر عرضا للثقافة العربية مظنش أنه ليه مثيل، وقبل افتتاح المعرض بيوم جاءت السيدة سوزان مبارك ومعها عمرو موسى وفاروق حسني  وإبراهيم المعلم، وكنت قاعد أشتغل بأيدي مع الشباب ولابس بنطلون جينز ومتبهدل فإبراهيم ...