في هذا الصباح الذي امتزج برائحة الإيمان وتلاوة ذكر الرحمن، أجلس وحدي مع ذكرياتي الثرية، وأنثرها كجدول رقراق يتلاطم أمامي، مثل مياه النهر الراقصة. تتأرجح طفولتي وصباي ووجعي وفرحي في هذا الجدول اللامع.
في هذه اللحظات الهادئة، أحادث نفسي صباحاً ومساءً، أستحضر أهل قريتي ولحظات تجوالي في أزقتها. أنتظر مرور حبيبة قلبي، وأتذوق عبير الطيب عند أذان الفجر، حيث كان والدي العجوز ينهض قبل ظهور الخيط الأبيض، جاهزًا للوضوء مع فجر كل يوم.
كنت أرى في روحه شيخًا عجوزًا، يتنبأ بالأمل والحب، يملأ قلبي بالنور والتفاؤل. كان يدعوني لصلاة الفجر في الجامع، وكانت لروحه همسات تنير حولنا. كان يقول لي: "املأ قلبك بالحب والأمل، يا بني."
ومع إشراق كل صباح، كنت أستعيد الفطرة والفضيلة في وقت مليء بالحياة. وكان يُحثني على صلاة الفجر معه في الجامع. حينما ألعب وألهو، يُردد قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، حيث كان يقول: "لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله تعالى فيمن عنده."
أسترجع الذكريات في هذا الصباح، بينما تجلس روحه محاطة بحقول القمح وأشجار النخيل في أطراف البلدة. وبعد إفطار لذيذ، يتركني والدي ويتوجه إلى الحقل، بينما أستعد للذهاب إلى مدرستي بفرح، مترقبًا للقاء حبيبة قلبي.
تظل روحه حاضرة في ذاكرتي، وتظل البلدة هادئة (قبل ضجيج التكاتك والدراجات النارية الصينية)، وتظل أحلام الصبايا ورضاهن عن القليل. كانت الحقول تحمل روائح الصيف والشتاء والربيع، وكم كانت جميلة هذه اللحظات.
في طريقي إلى المدرسة، أغني لعبد الحليم مغنية "مغرور حبيبي"، حيث يعزف صوتها وينطلق صداها: "مغرور حبيبي كثير عايز أكلمه..."
تستمر الحياة في مسارها، وأنا أعيش بين رغباتي وأحلامي، حافظًا على تلك الذكريات الجميلة التي تشكلت كألوان قوس قزح في حياتي.
تعليقات
إرسال تعليق
فرشوطيات تشكركم على هذا التعليق الرائع -ونتمنى لكم اياما جميلة - ويسعدنا تكرار الزيارة ,